قصة البحر | فجر النساء الثلاث 🌤️ قصة البحر | فجر النساء الثلاث 🌤️ كان البحر ساكنًا على غير عادته، كأنه ينتظر شيئًا لا يعرفه. النسيم بارد، والسماء ما زالت تمسح بقايا الليل عن وجهها، كأنها أمٌّ تُعدّ ابنها الصغير ليخرج إلى يومٍ جديد. ذلك الوقت من الفجر له خصوصية لا يشاركها أحد. لا هو ليلٌ ولا نهار، بل مساحة بين الحلم واليقظة، بين ما حدث بالأمس وما سيبدأ بعد قليل. وفي تلك المساحة تحديدًا، ظهرت ثلاث نساءٍ يمشين بخطواتٍ متقاربة، كأنهن يخشين أن يوقظن المدينة من نومها. صوت نعالهن على الممشى اختلط بخفةٍ بصوت الموج. كان المشهد بسيطًا، لكنه يحمل شيئًا من السحر. ثلاث ظلالٍ أنثويةٍ تتحرك ببطءٍ في الفجر، تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل في لقطةٍ واحدة. جلسن على المقعد الحجري المطل على البحر، تبادلْن نظراتٍ مليئةً بحنانٍ مألوف، ثم تعانقن كما لو أن كلّ واحدةٍ منهن تودّع الليلة الأخيرة من عمرها. ضحكن ضحكةً طويلة، ضحكةً صادقةً كأنها استراحة من كل تعبٍ مضى، ضحكةً تشبه تنفّس الروح بعد صبرٍ طويل. كان في جلستهن مزيج غريب من الإنجاز والحرية والمسؤولية، كأن الحياة توزّعت بينهن بعدلٍ تام....
الرهان -خواطر ولحظات وعي
الحصول على الرابط
Facebook
X
Pinterest
بريد إلكتروني
التطبيقات الأخرى
الرهان
الرهان
في مقهى هادئٍ وسط المدينة، جلس ثلاثة أصدقاء يضحكون بمرحٍ يشبه اللامبالاة، لكن خلف ضحكاتهم كانت تدور لعبة لا تُشبه الألعاب، رهانٌ بين رجالٍ ظنّوا أنهم تجاوزوا مرحلة المراهقة، فإذا بهم يسقطون في امتحان النضج دون أن يشعروا.
عادوا جميعًا من الغربة بعد سنوات من الدراسة والعمل، عادوا بشهاداتٍ عُليا، ووظائف مستقرة، وبيوتٍ عامرة بالرضا. لكن في داخلهم، كان هناك شيء ناقص، إحساسٌ بالملل والرتابة، وكأن الحياة التي سعوا إليها طويلاً فقدت بريقها بمجرد أن حصلوا عليها. كانوا يشكون لبعضهم أن الأيام أصبحت نسخة مكرّرة، وأن الحوار في بيوتهم صار يدور حول الفواتير والمدارس والواجبات. ومن هنا بدأ الشرّ الصغير ينمو… من حديثٍ عابرٍ عن «التغيير» و«الإثارة» و«الرجولة» التي لا تموت.
بداية اللعبة
اقترح أحدهم أن يخوضوا تجربة مختلفة، شيء يُنعش الروح ويعيد الحماس المفقود. كانت الفكرة غامضة في البداية، لكنهم مع الوقت صاغوها في شكل «رهان»: من يستطيع أن يلفت انتباه امرأة راقية، قوية الشخصية، دون أن تنكشف نواياه أو يُرفض؟
ضحكوا، تبادلوا المزاح، وقالوا إنها مجرد لعبة بسيطة، تسلية عابرة لا تتجاوز حدود الكلام. لكن كما يحدث دائمًا، تبدأ الأخطاء الكبيرة بخطواتٍ صغيرة.
وبينما هم يبحثون في خيالهم عن «الضحية» المناسبة، دخلت المقهى امرأةٌ بثقةٍ لافتة. كانت أنيقة دون تكلّف، تحمل في عينيها مزيجًا من الهدوء والذكاء. توقفت نظراتهم عندها جميعًا، وكأن القدر اختارها دون استئذان. همس أحدهم مبتسمًا: «هذه هي». وردّ الآخر بثقة: «الرهان بدأ».
المرأة التي قلبت اللعبة
لم تكن هي امرأة عادية. كانت تدرك تمامًا نوع النظرات التي تحيط بها، وتعرف كيف تتعامل مع كل نوعٍ منها. وعندما حاول الأول التقرّب منها بلطفٍ مصطنع، ردّت بابتسامةٍ مهذبةٍ تُغلق الباب قبل أن يُفتح. أما الثاني فظنّ أنه أكثر ذكاءً، حاول أن يثير اهتمامها بأحاديث الثقافة والسفر، لكنها كانت تُدرك تكرار الأسلوب، فتجاوبت ببرودٍ راقٍ لا يُعطي مجالًا للتمادي.
أما الثالث، فكان أكثرهم هدوءًا، والأقلّ كلامًا. راقبها من بعيد، لم يتحدث، لكنه كتب عنها في رسالةٍ إلكترونية طويلة، يصف فيها إعجابه بشخصيتها لا بجمالها، وبنضجها لا بمظهرها. كانت رسالته مختلفة فعلاً، لكنها أيضاً لم تكن صادقة تمامًا… كانت جزءًا من الرهان.
غير أنه لم يكن يعلم أن تلك المرأة ليست بعيدة عنهم كما يظن. فقد جمعتها بهم صدفة غريبة — أحد معارفها القدامى كان قريبًا من أحدهم، ومنها اكتشفت القصة كلها قبل أن تكتمل الخطة.
الذكاء الأنثوي ينتصر
اختارت أن لا تواجههم فورًا، بل قررت أن تُلقنهم درسًا هادئًا، من دون غضب ولا فضيحة. بدأت بالتجاوب البسيط، لتجعلهم يظنون أن اللعبة تسير لصالحهم. كانت تردّ على رسائلهم بذكاء، تُبقيهم في دائرة الفضول دون أن تمنحهم شيئًا حقيقيًا. ومع كل تفاعل، كانوا يغرقون أكثر في أوهام الفوز.
وفي اليوم الموعود، اتفقوا أن يلتقوا جميعًا بها في المقهى ذاته — دون علم بعضهم بأنهم جميعًا اتفقوا معها على نفس الموعد. وصلت هي أولاً، جلست بثقة، وطلبت قهوتها كمن يخطط لختام مشهد مسرحي. دخل الأول، ثم الثاني، ثم الثالث… كلٌّ منهم فوجئ بوجود الآخر، وعندها فقط أدركوا أن اللعبة قد انكشفت.
«أنتم الثلاثة كنتم تلعبون الرهان؟ جميل… لكن يبدو أن الرهان الحقيقي كان على من منكم سيكتشف عيوب نفسه أولًا.»
ثم تركتهم ومضت بخطواتٍ ثابتة، تاركةً خلفها صمتًا ثقيلاً لا يقطعه إلا ضجيج الخجل.
بعد السقوط
مرت أيام، وكل واحدٍ منهم واجه نفسه بطريقةٍ مختلفة. الأول فقد ثقة زوجته بعدما لاحظت تغيّره، والثاني حاول تبرير ما حدث لنفسه بأنه مجرد “تسلية”، أما الثالث فشعر بمرارةٍ صادقة، لأنه كان الأقرب إلى الندم الحقيقي. بدأ يكتب لنفسه ملاحظات عن المعنى الفعلي للوفاء، وعن هشاشة الأخلاق حين تُختبر في الخفاء. وربما كانت تلك المرأة هي التي أيقظت فيه ضميره، حين لم تعاقبه، بل جعلته يرى قبح فعله في مرآةٍ صافية.
التحليل النفسي للموقف
هذه القصة ليست مجرد حكاية عن خيانة عاطفية أو رهان ساذج. هي انعكاس لحالةٍ نفسية يعيشها كثير من الناس حين يظنون أن الاستقرار يعني نهاية الشغف. الملل لا يأتي من تكرار الأيام، بل من غياب الهدف. والإنسان الذي يفقد المعنى يبدأ يبحث عنه في أماكن خاطئة — في علاقاتٍ مؤقتة، أو رهاناتٍ عبثية، أو إثباتات زائفة للذات.
لكن في العمق، كل ما كانوا يبحثون عنه هو أنفسهم. كانوا يريدون أن يشعروا بأنهم ما زالوا مرغوبين، أقوياء، مؤثرين. والمرأة — بحكمتها — لم تُهِنهم، بل عرّت دواخلهم أمامهم بطريقةٍ جعلتهم يعيدون التفكير في معنى الرجولة الحقيقية، والاحترام، والولاء.
تعليقات
إرسال تعليق