مشاركة مميزة

قصة البحر | فجر النساء الثلاث 🌤️- خواطر ولحظات وعي

  قصة البحر | فجر النساء الثلاث 🌤️ قصة البحر | فجر النساء الثلاث 🌤️ كان البحر ساكنًا على غير عادته، كأنه ينتظر شيئًا لا يعرفه. النسيم بارد، والسماء ما زالت تمسح بقايا الليل عن وجهها، كأنها أمٌّ تُعدّ ابنها الصغير ليخرج إلى يومٍ جديد. ذلك الوقت من الفجر له خصوصية لا يشاركها أحد. لا هو ليلٌ ولا نهار، بل مساحة بين الحلم واليقظة، بين ما حدث بالأمس وما سيبدأ بعد قليل. وفي تلك المساحة تحديدًا، ظهرت ثلاث نساءٍ يمشين بخطواتٍ متقاربة، كأنهن يخشين أن يوقظن المدينة من نومها. صوت نعالهن على الممشى اختلط بخفةٍ بصوت الموج. كان المشهد بسيطًا، لكنه يحمل شيئًا من السحر. ثلاث ظلالٍ أنثويةٍ تتحرك ببطءٍ في الفجر، تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل في لقطةٍ واحدة. جلسن على المقعد الحجري المطل على البحر، تبادلْن نظراتٍ مليئةً بحنانٍ مألوف، ثم تعانقن كما لو أن كلّ واحدةٍ منهن تودّع الليلة الأخيرة من عمرها. ضحكن ضحكةً طويلة، ضحكةً صادقةً كأنها استراحة من كل تعبٍ مضى، ضحكةً تشبه تنفّس الروح بعد صبرٍ طويل. كان في جلستهن مزيج غريب من الإنجاز والحرية والمسؤولية، كأن الحياة توزّعت بينهن بعدلٍ تام....

الحنين - خواطر ولحظات وعي

 


✦ الحنين ✦




الحنين شعور غريب، يجمع بين الدفء والوجع، بين ابتسامةٍ خفية ودمعةٍ تسقط بلا استئذان. هو رحلة غير مرئية إلى الماضي، إلى أماكن وأشخاص وأوقات مضت، لكنها ما زالت حية في أعماقنا، كأنها لم تغادر قط.


الحنين لا يحتاج إلى دعوة، يكفي أن تمر أغنية قديمة، أو رائحة عابرة، أو صورة باهتة، ليأخذنا على جناحيه ويعيدنا إلى لحظات حسبنا أننا نسيناها. لكنه يثبت لنا في كل مرة أننا لا ننسى، بل نخبئ الذكريات في زوايا القلب، وعندما يطرقها الحنين، تعود بكامل تفاصيلها.


أحياناً، يكون الحنين أشبه بزيارة صديق قديم. يجلس معنا بلا كلام، فقط يحضر، فنبتسم لوجوده، حتى وإن كان يثقل صدورنا. وأحياناً أخرى يكون كعاصفة، تقتحمنا فجأة، فتجعل قلوبنا تضطرب، وأرواحنا تهتز، وتسيل دموعنا بلا وعي.


الحنين لا يرحم. يضعنا في مواجهة مع صور لم تعد موجودة، مع أشخاص غابوا، مع أزمنة لن تعود. لكنه أيضاً يعلّمنا قيمة ما عشناه. لولا الحنين، لما عرفنا كم كانت لحظاتنا الماضية ثمينة، وكم أن الماضي رغم قسوته أحياناً، كان يحمل بين طياته جمالاً لا يتكرر.


حين أحنّ، أكتشف أنني لا أحنّ فقط للأشخاص، بل أحنّ لنفسي القديمة. أشتاق لتلك الروح التي كانت بريئة أكثر، لتلك الضحكة التي كانت خفيفة بلا حساب، ولتلك النظرة التي كانت ترى الدنيا أبسط وأجمل.


الحنين ليس ضعفاً، بل دليل على أن ما عشناه كان حقيقياً. لأننا لا نشتاق إلا لما ترك أثراً صادقاً فينا. هو توقيع الزمن على صفحات قلوبنا، يقول لنا: “أنتم عشتم، أحببتم، وتذوقتم معنى الحياة”.


ومع ذلك، الحنين قد يكون قاسياً، لأنه يذكّرنا بأن الزمن لا يعود. يجعلنا نتمنى لو أن اللحظة تتكرر، لو أن الأبواب التي أُغلقت تُفتح مرة أخرى، لو أن الوجوه التي غابت تطل من جديد. لكنه، مهما أوجعنا، يترك فينا عزاءً صامتاً: أننا كنا هناك، أننا لم نفوّت الحياة، بل عشناها حتى صارت ذكرى.


في ليالي الوحدة، الحنين هو ضيفي الأكثر وفاءً. يأتي بلا موعد، يجلس معي، يفتح صناديق الذكريات، يسلّط الضوء على لحظات سعيدة، وأحياناً يعيد عرض لحظات موجعة. ومع ذلك، أجد في حضوره عزاء، لأنني لست خالية، بل ممتلئة بحكايات كثيرة.


الحنين أيضاً معلّم. يعلّمنا أن نستمتع بالحاضر، لأن الحاضر يوماً ما سيكون ماضياً، وسنحنّ إليه. يذكّرنا أن نعيش اللحظة بصدق، أن نحب بعمق، أن نضحك من قلوبنا، لأننا سنعود يوماً نبحث عن هذه اللحظات في ذاكرتنا.


لقد فهمت أن الحنين مثل الخيط الذي يربط بين الماضي والحاضر. لا يقطع، بل يبقى ممتداً، يشدّنا أحياناً إلى الوراء، لكنّه أيضاً يمنحنا جذوراً. نحن لسنا مجرد اليوم، نحن تراكم أيام كثيرة، وكل ذكرى جزء منّا، لا يمكن اقتلاعها.


وفي كل مرة أحنّ، أبتسم رغم الدموع. أبتسم لأنني محظوظة بما عشته، لأن هناك أشخاصاً تركوا بصمتهم في قلبي، لأن هناك أماكن ارتبطت بروحي، لأن هناك أزمنة جعلتني ما أنا عليه اليوم.


الحنين يجعلني أؤمن أن الحب لا يموت، بل يتحول. يتحول من حضور إلى ذكرى، من صوت مسموع إلى صدى داخلي، من يد ملموسة إلى إحساس يسكن فينا.


وفي النهاية، أقول: الحنين ليس عدوّاً، بل رفيق طريق. قد يوجعنا أحياناً، لكنه أيضاً يذكّرنا أننا لم نكن فراغاً، أننا عشنا، أحببنا، خسرنا، وربحنا. يذكّرنا أننا بشر، وأن قلوبنا لا تزال تنبض بما مضى، حتى ونحن نعيش ما هو آتٍ


تعليقات