🌅 الهروب الذكي… ومشاوير الأزواج الصباحية
 |
| الهروب الذكي… ومشاوير الأزواج الصباحية |
من سلسلة: قصص البحر – بقلم SouadWrites
فنّ الصمت الزوجي: حين يتحدث البحر ولا يجيب
كل صباح يحمل معه قصة جديدة من الممشى، حكايات تمرّ أمام البحر كما تمرّ الحياة نفسها؛ هادئة في ظاهرها، لكنها مليئة بالمعاني لمن يُجيد الملاحظة.
وهذه المرة، كانت القصة عن زوجين… عن هروبٍ ذكي، ودرسٍ صغير في فنّ الصمت الزوجي.
في الصباح، وبين خطوات الممشى الرملي، تتكشّف القصص بلا حوار. رأيتُهما معًا؛ زوجًا وزوجته، يسيران بخطوات غير متكافئة. هو يمضي أمامها بخطى سريعة كأن بينهما سباقًا صامتًا، وهي تتحدث بسرعة وكأنها تحاول أن تنتزع منه موافقة أو وعدًا طال انتظاره.
كانت الإيماءات تكشف ما تخفيه الأصوات: حركة اليد، نبرة الجسد، حتى طريقة النظر كانت حوارًا بحد ذاتها. بدا واضحًا أن الموضوع ليس وليد اللحظة؛ إنه نقاش مؤجّل، ربما بدأ قبل الفطور واستُكمل على الرصيف.
لم يكن المشهد غريبًا، بل مألوفًا حد الابتسامة. فكم من نزهةٍ صباحية تبدأ بحديثٍ عابر وتنتهي بمطالب مؤجلة منذ الأسبوع الماضي! يظن الزوج أن الهواء النقي كافٍ لتجديد المزاج، لكن الزوجة ترى في هذا الوقت المثالي فرصةً لتفريغ ما في قلبها.
هو يسمع نصف الكلام، ويزن الكلمات بميزان الصبر، حتى إذا شعر أن الحوار بدأ يتّجه إلى “درس في الإدارة الأسرية”، زاد من سرعته بخطوات محسوبة، ثم فجأة — كما يفعل أغلب الأزواج — قطع المشي واتجه نحو الأراجيح.
كانت حركة انسحاب ذكية؛ لا تحمل صدامًا، ولا تحتاج اعتذارًا. جلس بهدوء على الأرجوحة، يبتسم، وكأنه يقول لنفسه: “الانسحاب أحيانًا أرحم من الجدل.”
أما هي فلحقت به بخطوات مثقلة، تعارك الرمل والخذلان معًا، ثم جلست بجانبه، بصمتٍ يوحي أنها فهمت الرسالة: بعض الحوارات تُغلق بالفعل، لا بالكلام.
في تلك اللحظة، بدا البحر كأنه يراقبهما. موجه يعلو وينخفض بانتظام، كأنما يصفق بخفة لهذا الانسحاب التكتيكي. البحر شاهدٌ قديم على نزاعات صغيرة كهذه، لكنه يعرف أن الصمت في الزواج ليس هروبًا دائمًا… أحيانًا يكون استراحة محارب، محاولة لإنقاذ ما تبقى من الهدوء قبل أن يتحول النقاش إلى عاصفة.
وفي اليوم التالي، أكّد الزوج هروبه بعدم الحضور أصلًا. جاءت وحدها تمشي، تحمل على ملامحها شيئًا بين الحزن والإدراك المتأخر.
كانت خطواتها أبطأ من الأمس، كأنها تمشي وهي تحاور نفسها. في يدها كوب قهوة، وفي قلبها سؤال معلّق: “هل كان عليّ أن أتكلم أقل؟ أم أنه كان عليه أن يسمع أكثر؟”
لم تجب، لأن الجواب لا يسكن في البحر، بل في المسافة بينهما التي لم تُجسر بعد.
البحر ابتسم ببرود — كما يفعل دومًا — وكأنه يقول: حتى الأزواج يتعلمون فن الهروب... من كثرة الكلام.
لكن الحقيقة أن ما يبدو “هروبًا” ليس دائمًا ضعفًا، بل أحيانًا طريقة أخرى للحب. الصمت لا يعني الجفاء، بل حفاظًا على مساحة لا تُستهلك بالجدل. بعض الرجال يصمتون لأنهم يعرفون أن الكلمة الزائدة تُفسد اللحظة، وبعض النساء يتحدثن لأن الصمت يوجعهن أكثر من أي حوار.
الزواج ليس ساحة نقاش، بل تمرين مستمر على الصبر.
في كل علاقة هناك من يهرب بالكلمات، وهناك من يهرب بالصمت، وكلاهما يبحث عن التوازن.
والبحر — ذاك الحكيم الأزلي — يعرف أن أجمل ما في الموج هو أنه يذهب ويعود، دون أن يتجادل مع الشاطئ.
ربما في الغد يعودان معًا.
ربما تسير بجانبه مرة أخرى، يتبادلان حديثًا خفيفًا عن الطقس أو القهوة، لا عن الحياة الكبيرة.
وربما تعود وحدها إلى البحر، لا لتشتكي، بل لتتعلم كيف تمارس فن الصمت، لا كعقوبة، بل كسلامٍ داخلي.
القصص التي نراها على الممشى ليست مجرد مشاهد عابرة، بل انعكاس لحكاياتنا نحن. كل واحدٍ فينا يمارس نوعًا من “الهروب”، بطريقته الخاصة — هروب من النقاش، من الروتين، من نفسه أحيانًا.
لكن ما يهم في النهاية ليس من هرب، بل من عاد وهو أهدأ.
وفي صباحٍ جديد، سيحمل الممشى قصة أخرى.
قد تكون عن مصالحة، أو عن نظرة عابرة من بعيد، أو عن فنجان قهوة يُقدَّم دون كلام.
فالبحر لا يملّ القصص، ولا يتعب من مراقبة البشر وهم يحاولون فهم بعضهم البعض... خطوة بخطوة، وصمتًا بصمت. 🌊
 |
| وحيده |
🐚 من قصص البحر… حيث تتحدث التفاصيل الصغيرة بلغة لا يسمعها إلا من يراقب بهدوء.
#قصص_البحر #SouadWrites #تأمل #خواطر #علاقات #البحر
تعليقات
إرسال تعليق