محطات البشر في حياتنا
محطات البشر في حياتنا
الحياة رحلة طويلة، مليانة منعطفات وطرق ما نعرف وين تودينا. وفي هالرحلة، البشر اللي نقابلهم يشبهون محطات القطار. فيه محطات صغيرة نمر فيها مرور عابر، ما تبقى منها إلا لمحة في الذاكرة. وفيه محطات توقفنا فيها فترة أطول، نلاقي فيها وجوه تغيّر نظرتنا أو تترك بصمة في القلب. وبعض المحطات تتحول إلى علامات فارقة، تخلينا نعرف إن حياتنا قبلها مو مثل بعدها.
اللي يلفت النظر إن كل شخص نقابله – حتى لو كان لقاؤه قصير – يحمل رسالة معينة. أحياناً نفهم الرسالة في وقتها، وأحياناً نحتاج سنوات عشان نستوعب معناها. يمكن كلمة وحدة تغيّر قرار مصيري، أو موقف عابر يزرع فينا صبر أو حكمة. ولهذا السبب، العلاقات الإنسانية مو مجرد تفاصيل اجتماعية، بل هي البوصلة اللي كثير من الأحيان تحدد اتجاهاتنا.
الأصدقاء.. بيت بعيد لكنه حاضر
من أجمل ما في الرحلة إنك تلاقي ناس يشبهون البيت. البيت مو بس جدران وسقف، البيت شعور بالراحة والانتماء، الأمان اللي تحس فيه حتى لو كنت بعيد. الأصدقاء اللي يشبهون البيت، هم الأشخاص اللي مهما فرّقت بينكم الظروف، يظل وجودهم في حياتك ثابت. يمكن تمر شهور أو حتى سنين ما تلتقون، لكن أول ما تسمع صوتهم أو تلمح رسالتهم، يرجع نفس الشعور القديم وكأن ما مر وقت.
هالعلاقات تذكرك إن المسافة الزمنية ما تقدر تكسر الروابط الحقيقية. بل العكس، يمكن تزيدها قوة، لأن الغياب يخلينا نختبر معدن العلاقة. الصداقة اللي تصمد رغم الانشغال والبعد، هي الصداقة اللي فعلاً تستحق نحتفظ فيها.
الأصدقاء مثل البيت البعيد: يمكن ما تزوره كل يوم، لكن يكفي تعرف إنه موجود عشان تطمئن.
لقاءات عابرة.. أثرها عميق
مو كل البشر اللي يقابلونك لازم يكونون جزء دائم من حياتك. فيه ناس يمرّون مرور سريع، لكنهم يخلّفون أثر أعمق من اللي عرفتهم سنين. يمكن شخص تقابله في مطار، يكلمك جملة عن الصبر أو عن معنى السعادة، تظل عالقة في ذهنك أكثر من مئات الأحاديث الطويلة.
أحياناً نستهين باللقاءات العابرة، لكن الحقيقة إن بعضها يغيّر مسارنا. يمكن يخلينا نراجع قراراتنا أو نعيد النظر في طريقة عيشنا. كأن الحياة تحط في طريقك "رسول صغير" يعطيك تلميح للاتجاه الصحيح.
هذا يذكرنا إن تأثير الإنسان ما ينقاس بطول العلاقة، بل بصدق اللحظة اللي عاشها معك.
العلاقات الإنسانية كمرآة
لو فكرنا بعمق، بنلقى إن الناس اللي نقابلهم يشبهون مرايا. كل شخص يعكس لنا جانب معين من أنفسنا. فيه شخص يكشف لنا صبرنا، شخص ثاني يختبر قدرتنا على التسامح، وآخر يعلّمنا معنى التضحية. حتى اللي يزعجوننا أو يخذلوننا، هم جزء من الدرس، لأنهم يوروننا كيف نحمي قلوبنا أو كيف نرسم حدودنا.
العلاقات مو كلها وردية، ولا كلها مثالية. لكن كل علاقة – ناجحة أو فاشلة – تساهم في تكوين صورتنا عن أنفسنا وعن العالم. والجميل إن التجارب الصعبة غالباً تعطي دروس أعمق من التجارب السهلة.
من محطة لمحطة.. نتغير
القطار ما يوقف في محطة ويظل فيها للأبد. الرحلة مستمرة، ومع كل محطة نتغير شوي. الناس اللي نقابلهم يساعدونا على النمو، أحياناً يعلمونا كيف نضحك من قلب، وأحياناً كيف نقاوم وجع الفقد.
يمكن تكتشف إنك صرت أهدأ بفضل شخص علّمك معنى التروّي. أو إنك صرت أقوى بسبب تجربة قاسية مع أحدهم. كل محطة في حياتك تنحت جزء من شخصيتك، مثل النقوش على الحجر. يمكن ما ننتبه للتغيير وقتها، لكن إذا رجعنا بالذاكرة، نلقى إن كل لقاء ساهم بطريقة أو بأخرى في صياغة ملامحنا.
أثر غير منظور
فيه ناس ما عاد نعرف عنهم شيء، غابوا فجأة من حياتنا، أو انقطعت أخبارهم مع مرور الوقت. لكن غيابهم ما يعني إن أثرهم اختفى. بالعكس، يمكن يكونون حاضرين في قراراتنا، في طريقة كلامنا، أو حتى في أسلوب تعاملنا مع الآخرين.
الإنسان كائن اجتماعي، وأثر العلاقات يظل يتردد في داخلنا حتى لو الأشخاص نفسهم اختفوا. كأنهم تركوا بصمة ما تنمحي.
الخلاصة: البشر ثروة الرحلة
في النهاية، ممكن نسمي البشر اللي نقابلهم "ثروة الرحلة". مو شرط كل الثروة تكون ذهب، أحياناً تكون دروس، أحياناً تكون ذكريات، وأحياناً تكون مجرد شعور بالامتنان لأننا التقينا في لحظة معينة.
العلاقات الإنسانية هي اللي تعطي للحياة طعم. من غيرها، تصير الأيام مجرد تتابع ساعات مملة. لكن بوجودهم، حتى التفاصيل الصغيرة تكتسب معنى: ضحكة عفوية، مكالمة فجأة، أو لقاء غير مرتب له.
والأجمل إننا ندرك إن إحنا بعد نكون محطات في حياة الآخرين. يمكن نكون "البيت" بالنسبة لشخص يحتاج أمان، أو نكون "اللقاء العابر" اللي يغيّر يوم أحد. وهذا يحمّلنا مسؤولية نترك أثر طيب، مهما كان بسيط.
#SouadWriter
تعليقات
إرسال تعليق