✦ الأمل ✦
الأمل شعاع صغير، قد لا يُرى بالعين أحياناً، لكنه موجود دائماً في عمق الروح. هو كشمعة تُضيء في ظلام حالك، أو كنافذة مفتوحة في غرفة خانقة. قد تظن أن لا مخرج، ثم يأتي الأمل ليهمس: اصبر، فما بعد العسر إلا يسراً.
رغم كل ما نعيشه من ألم وفقد ووحدة، يبقى الأمل وفياً لا يخذلنا. قد يتوارى أحياناً خلف الغيوم، لكنه لا يرحل. هو جزء من فطرة الإنسان؛ لو لم يكن الأمل، لما واصلنا الحياة، ولما نهضنا بعد كل سقوط.
الأمل ليس مجرد فكرة نتسلّى بها، بل قوة حقيقية تدفعنا للاستمرار. كم من إنسان كان على حافة الانكسار، ثم تمسك بخيط أمل رفيع، فنهض من جديد وصنع حياة أفضل. وكم من قلوب ظنت أنها انتهت، ثم عاد إليها الضوء، فقط لأنها لم تفقد الإيمان بأن الغد أجمل.
الأمل يعلّمنا أن لا نحكم على أيامنا بلحظة عابرة. اليوم قد يكون مظلماً، لكنه لا يعني أن الغد سيكون كذلك. الليل مهما طال، يعقبه فجر. والشتاء مهما اشتدّ برده، يعقبه ربيع. هذه سنّة الحياة، والأمل هو الذي يذكّرنا بها.
تعلمت أن الأمل لا يحتاج إلى دلائل كبيرة. يكفي أن ترى زهرة صغيرة تشقّ طريقها من بين صخور قاسية، لتتأكد أن لا شيء مستحيل. يكفي أن تسمع ضحكة طفل في وسط حزن، لتدرك أن الفرح ممكن في أي لحظة. يكفي أن ترى عصفوراً يحلّق بعد عاصفة، لتعلم أن القوة تعود مهما كان التعب.
الأمل أيضاً اختيار. قد نستسلم لليأس ونغرق في ظلامه، لكننا دائماً نملك خياراً أن نرفع رؤوسنا ونبحث عن النور. صحيح أن الطريق قد يكون طويلاً، لكن كل خطوة فيه تصبح أيسر حين نؤمن أن النهاية أفضل مما نراه الآن.
الأمل لا يعني تجاهل الألم أو إنكار الواقع، بل يعني أن نؤمن أن الواقع مهما كان صعباً، ليس نهاية القصة. يعني أن نسمح للدموع أن تنزل، لكننا نمسحها ونحن نقول: سأبتسم من جديد.
كم مرة بكيتُ حتى شعرت أنني فارغة، ثم فجأة، مع أول صباح، وجدت نفسي أخطو خطوة جديدة؟ ذلك هو الأمل. يأتي بلا مقدمات، يسكن فينا بصمت، ويأخذ بأيدينا دون أن نشعر.
الأمل يجعلنا نرى الحياة بعيون مختلفة. يعلمنا أن نتعلق بالتفاصيل الصغيرة: ضوء شمس على وجهنا، كلمة حانية من صديق، لقاء غير متوقع يغير مجرى يومنا. هذه التفاصيل قد تبدو بسيطة، لكنها وقود الأمل.
الأمل أيضاً عبادة. أن نؤمن أن الله، برحمته، لا يتركنا، وأنه قادر على أن يبدل حالنا في لحظة. كم من باب أغلق أمامنا، ثم فُتح باب آخر أجمل لم نتخيله. كم من ضيق حسبناه النهاية، فإذا به بداية لطريق أوسع وأجمل.
أحياناً، حين يثقلني اليأس، أرفع بصري إلى السماء. هناك، بين النجوم البعيدة، أجد عزاءً صامتاً. النجوم تذكرني أن الضوء لا يُطفأ، حتى في أعمق الظلام. وربما أنا مثلها، قد أضعف، لكنني لن أنطفئ ما دام في قلبي أمل.
الأمل يزرع فينا الشجاعة. يجعلنا نجرؤ على الحلم، حتى لو كنا نعلم أن الطريق صعب. يجعلنا نبتسم في وجه الألم، ونقول له: لن تدوم. يجعلنا نواجه الوحدة بثقة، ونقول لها: أنا أراك، لكنني أعلم أنني لن أبقى معك للأبد.
لقد أدركت أن الأمل ليس رفاهية، بل ضرورة. بدونه، نصبح مثل قارب تائه في بحر بلا بوصلة. ومعه، نصبح مثل طائر يعرف أن جناحيه سيحملانه مهما عصفت الرياح.
وفي النهاية، أقول: الأمل ليس وعداً بأن الحياة ستكون سهلة، لكنه يقين بأننا سنجد طريقاً، مهما كان معتماً. الأمل هو ما يجعل قلوبنا تشرق من جديد، وهو ما يجعلنا نؤمن أن المستقبل، رغم كل شيء، ما زال فيه نور
تعليقات
إرسال تعليق