مشاركة مميزة

قصة البحر | فجر النساء الثلاث 🌤️- خواطر ولحظات وعي

  قصة البحر | فجر النساء الثلاث 🌤️ قصة البحر | فجر النساء الثلاث 🌤️ كان البحر ساكنًا على غير عادته، كأنه ينتظر شيئًا لا يعرفه. النسيم بارد، والسماء ما زالت تمسح بقايا الليل عن وجهها، كأنها أمٌّ تُعدّ ابنها الصغير ليخرج إلى يومٍ جديد. ذلك الوقت من الفجر له خصوصية لا يشاركها أحد. لا هو ليلٌ ولا نهار، بل مساحة بين الحلم واليقظة، بين ما حدث بالأمس وما سيبدأ بعد قليل. وفي تلك المساحة تحديدًا، ظهرت ثلاث نساءٍ يمشين بخطواتٍ متقاربة، كأنهن يخشين أن يوقظن المدينة من نومها. صوت نعالهن على الممشى اختلط بخفةٍ بصوت الموج. كان المشهد بسيطًا، لكنه يحمل شيئًا من السحر. ثلاث ظلالٍ أنثويةٍ تتحرك ببطءٍ في الفجر، تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل في لقطةٍ واحدة. جلسن على المقعد الحجري المطل على البحر، تبادلْن نظراتٍ مليئةً بحنانٍ مألوف، ثم تعانقن كما لو أن كلّ واحدةٍ منهن تودّع الليلة الأخيرة من عمرها. ضحكن ضحكةً طويلة، ضحكةً صادقةً كأنها استراحة من كل تعبٍ مضى، ضحكةً تشبه تنفّس الروح بعد صبرٍ طويل. كان في جلستهن مزيج غريب من الإنجاز والحرية والمسؤولية، كأن الحياة توزّعت بينهن بعدلٍ تام....

حين يتكلم الصمت - خواطر وعي

حين يتكلم الصمت



           أحيانًا نظن إن الصمت فراغ، وإن الكلام وحده يملأ الروح، لكن الحقيقة إن أعظم الحوارات ما تنقال بصوت، بل تُحسّ بالقلب. الصمت مساحة تسمح لنا نسمع أنفسنا وسط ضجيج العالم، ونفهم وش اللي يوجعنا، وش اللي يفرحنا، وش اللي نبحث عنه وإحنا ما ندري.

أجلس في ليلة ساكنة، والمدينة كلها نايمة، ما في إلا ضوء خافت من نافذة قديمة وريح تداعب ستارة بيضاء. هناك، في اللحظة البسيطة هذي، اكتشفت إن الصمت مو شي نخافه، بل وطن نرجع له لما نتعب من الوجوه والكلمات. في الصمت، الإنسان يواجه نفسه بلا رتوش ولا أقنعة.

الحياة تركض بسرعتها، الكل مستعجل، الكل يركض وراء هدف، وراء نجاح، وراء لقمة أو حلم. لكن في الركض المستمر ذا، نفقد أبسط الأشياء: إننا نسمع نبض قلوبنا، إننا نلاحظ لمعة عين شخص يحبنا، أو حتى إننا نستمتع بضحكة عفوية ما لها سبب.

تعلمت إن الصمت ما يعني غياب الكلام، بل حضور أعمق للمعنى. لما تسكت وتسمع، فجأة تسمع أشياء ما كنت تدري عنها: صوت الطيور فجراً، دقات قلبك وانت متوتر، أو حتى صدى أفكارك وهي تحاول تلاقي طريق. كثير ناس يخافون من الصمت لأنهم يخافون يواجهون أنفسهم، يخافون يشوفون حقيقتهم من دون أصوات تغطيها.

لكن الصمت يعلّمك. يعلّمك الصبر، يعلّمك البصيرة، يعلّمك إن أجمل الردود أحيانًا تكون مجرد ابتسامة صافية أو نظرة عميقة. ترى مو كل سؤال يحتاج إجابة، ولا كل موقف يحتاج تعليق. أحيانًا ترك الفراغ أبلغ من تعبئة بالكلمات.

وأتذكر مواقف كثيرة علّمتني قيمة الصمت. يوم كنت واقف عند قبر قريب عزيز، ما قدرت أقول شيء، لا مواساة ولا عزاء يليق، لكن الصمت اللي حضر كان أصدق من ألف كلمة. ويوم جلست مع صديق مهموم، ما احتاج يسمع نصائح ولا حكم، بس جلسنا مع بعض في هدوء، وطلع من عندي مبتسم كأنه ارتاح بس لأنه لقى مكان يسند فيه قلبه.

الحياة مليانة أصوات، مليانة صراخ إعلام، أخبار، جدال، مطالب، وحتى أصوات داخلية ما تسكت. لكن في وسط الزحمة هذي، نحتاج نصنع لحظات صمتنا، لحظات نرجع فيها نتأمل ونرتّب أولوياتنا. الصمت مثل البحر، عميق، يخوّفك أول ما تطالع، بس لما تغوص فيه، تكتشف كنوز ما كنت تدري عنها.

وأحيانًا الصمت يكون أقوى وسيلة حب. كيف؟ لما تسكت وتخلي يدك تمسك يد شخص غالي، أو نظراتك توصل كل الحكاية، من غير ولا كلمة. الحب مو بس كلام حلو، الحب حضور، والحضور أحيانًا أبلغ إذا كان صامت.

أدركت بعد سنين إن الصمت مدرسة. مدرسة تعلمك إنك تسمع قبل ما تتكلم، تفهم قبل ما تحكم، وتفكّر قبل ما تجاوب. وأحيانًا تعلمك إنك ما تجاوب أبدًا، لأن مو كل الأسئلة مخلوقة عشان نجاوبها، بعضها مجرد طرق تفتح لك أبواب داخلية ما كنت ناوي تدخلها.

يمكن أعظم ما في الصمت إنه يعرّفك على نفسك. كل ما جلست في هدوء، كل ما قربت من حقيقتك، بعيد عن التمثيل الاجتماعي والابتسامات الرسمية والعبارات الجاهزة. هناك، في عزلة قصيرة، تكتشف شنو اللي تحبه بصدق، وشنو اللي يخوّفك، وشنو الأحلام اللي تركتها على الرف، تنتظر منك تلتفت لها.

فـ يا صاحبي، لا تظن إن الصمت ضعف، ولا إن الكلام قوة. ترى الصمت أحيانًا أشجع، لأنه يخلّيك تواجه الحقيقة من دون حيل. والكلمة إذا ما كان وراها معنى، فهي مجرد ضوضاء.

خلّ لحياتك نصيب من الصمت، مثل ما تعطيها نصيب من الكلام. صدقني، بتكتشف إن أجمل الإجابات، بتلقاها في اللحظات اللي يهدأ فيها كل شيء، وتبقى أنت، وقلبك، وربك. 🌿

#SouadWriter

تعليقات