مشاركة مميزة

الحنين - خواطر ولحظات وعي

  ✦ الحنين ✦ الحنين شعور غريب، يجمع بين الدفء والوجع، بين ابتسامةٍ خفية ودمعةٍ تسقط بلا استئذان. هو رحلة غير مرئية إلى الماضي، إلى أماكن وأشخاص وأوقات مضت، لكنها ما زالت حية في أعماقنا، كأنها لم تغادر قط. الحنين لا يحتاج إلى دعوة، يكفي أن تمر أغنية قديمة، أو رائحة عابرة، أو صورة باهتة، ليأخذنا على جناحيه ويعيدنا إلى لحظات حسبنا أننا نسيناها. لكنه يثبت لنا في كل مرة أننا لا ننسى، بل نخبئ الذكريات في زوايا القلب، وعندما يطرقها الحنين، تعود بكامل تفاصيلها. أحياناً، يكون الحنين أشبه بزيارة صديق قديم. يجلس معنا بلا كلام، فقط يحضر، فنبتسم لوجوده، حتى وإن كان يثقل صدورنا. وأحياناً أخرى يكون كعاصفة، تقتحمنا فجأة، فتجعل قلوبنا تضطرب، وأرواحنا تهتز، وتسيل دموعنا بلا وعي. الحنين لا يرحم. يضعنا في مواجهة مع صور لم تعد موجودة، مع أشخاص غابوا، مع أزمنة لن تعود. لكنه أيضاً يعلّمنا قيمة ما عشناه. لولا الحنين، لما عرفنا كم كانت لحظاتنا الماضية ثمينة، وكم أن الماضي رغم قسوته أحياناً، كان يحمل بين طياته جمالاً لا يتكرر. حين أحنّ، أكتشف أنني لا أحنّ فقط للأشخاص، بل أحنّ لنفسي القديمة. أشتا...

الغراب صديقي - خواطر ولحظات وعي

 حين ترك الغراب حبّة لوز


حين ترك الغراب حبّة لوز

 حين ترك الغراب حبّة لوز



لم تكن علاقتي به عادية…

غراب أسود، يمرّ أمام الآخرين مرورًا عابرًا،

لكنه بالنسبة لي كان أكثر من طائرٍ بري،

كان صديقًا من نوعٍ مختلف.


كنت أزوره كل صباح، هناك في زاوية الحديقة،

أحمل حبّات اللوز… فيأخذها مني برشاقة،

دون صوت، دون اقترابٍ مفرط،

لكن بعينٍ تحفظ التفاصيل، كأنّه يدوّن حضوري في ذاكرته.


ثم غبت.

أسبوعًا واحدًا فقط، وعدتُ لأجد حبّة لوز على عتبة الباب.

كانت مبلّلة… كأن فمه حملها إليّ، ثم وضعها برفق،

رسالة بلا كلمات، تقول: “أنا لم أنسكِ، أين أنتِ؟”


عرفت فورًا أنها منه…

لا أحد سواه يعرف هذا الصمت اللوزي الجميل.


رجعت… لكن الحياة سحبتني، فغبت خمسة أشهر.

واليوم، عدتُ إلى الحديقة،

وقبل أن أتساءل إن كان ما يزال هناك، وجدته واقفًا في ذات المكان.

لا لوم في نظرته، ولا عتاب…

فقط حضور ثابت، كأنّه يقول لي:

“أنا هنا، كما تركتِني، لم أتغيّر… فهل عدتِ حقًا؟”


اقترب أكثر من المعتاد…

أخذ حبّاته وكأنّه يطلب المزيد،

وكأنّ الغياب لم يكن فاصلًا… بل مجرد انتظار.


صديق من ريشٍ أسود…

أصدق من بشرٍ كُثُر.





تعليقات